كل الحروق قابلة للشفاء عبد اللطيف السعيد
قد لا تصدق ما ستقرؤه....
ولكن.... هي الحقيقة
قصة طبيب شعبي يعالج جميع أنواع الحروق
والنتيجة الشفاء التام بإذن الله تعالى.
إذا كان هناك أي استفسار يمكن الكتابة على العنوان التالي: Sameer99@aloola.sy
وسيتم إن شاء الله تعالى الإجابة عن استفساراتكم بما يفيد
كل الحروق قابلة للشفاء عبد اللطيف السعيد
التقيت به في أحد شوارع مدينة حمص، كان يمشي منتصب القامة كهرم، لقد عرفته منذ أكثر من أربعين سنة، ولما رأيته يومها عادت بي الذاكرة إلى الوراء...يا الله..لا أستطيع أن أتخيل أنه هو، هذا شخص آخر غيره، مع ذلك اقتربت منه واستوقفته وسلمت عليه، فوجئ بهذه المصادفة، ودعاني إلى بيته لزيارته، وقمت بزيارته فعلاً وهناك، فوجئت بأنه قد اختار في حياته طريقاً شاقاً جداً يحجم الكثيرون عن سلوكه، ومن المهن اختار أكثرها حساسية ودقة، إنه يعالج الحروق..
سألته: منذ متى وأنت تمارس هذه المهنة؟
فأجاب بصوته الهادئ: منذ فترة بعيدة –أكثر من خمسة عشر عاماً-تعرضت طفلة لي في عمر الورود إلى حرق بالماء الساخن، ففكرت في أن أقوم بمعالجتها بنفسي، فقمت بمعالجتها بدواء من الأعشاب، قمت بتحضيره وتركيبه،وبعد أيام من العلاج جف مكان الإصابة ونما جلد جديد بدلاً من الجلد المحروق، وكان العلاج موفقاً إلى درجة أنه لم يترك أثراً للحرق، وقد فرحت بذلك كثيراً لسببين: الأول: شفاء طفلتي الغالية، والثاني: نجاحي في تركيب تلك الوصفة الناجعة.
و منذ ذلك الحين قررت أن أتابع موضوع العلاج بالأعشاب، هذا الذي بدأته بطفلتي، وقلت في نفسي: صحيح بأن الحروق تحدث كحالات فردية، ولكنها أمر مهم جداً، ويوجد كثير من الناس تركت الحروق في أجسادهم آثاراً لا تمحى، ومآسي يعاني منها أصحابها، نعم... موضوع الحروق مهم جداً ولا يمكن الاستهانة به، أو غض النظر عنه.
سألته: هل كنت تحب هذه المهنة، أقصد مهنة الطبابة؟
* - إنني ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي قلب طفولتي رأساً على عقب، إنه اليوم الأول لدخولي المدرسة، لم أكن أعرف قبل ذهابي إلى المدرسة بأنني أعشق الحرية إلى هذا الحد، وعندما قرع الجرس الذي سمعت صوته لأول مرة في حياتي دخلنا إلى الصف بشكل عشوائي غير منظم، فدخلت إلى غرفة الصف وسط جموع الأطفال الذين كانوا يصدرون أصواتاً عالية تصم الآذان، وكأنهم يتنافسون في إصدار هذه الأصوات، وبدأ الازدحام على المقاعد الأمامية وعمت الفوضى داخل الصف وأنا صامت أنظر حولي وأتساءل: لماذا كل هذا الضجيج؟ هل هؤلاء الصغار فرحين إلى هذه الدرجة؟ ومشيت في الممر بين صفوف المقاعد، وقد قررت أن اجلس في المقعد الأخير الذي يستند إلى جدار الغرفة، وكنت أترنح من لكمات التلاميذ الذين يقفزون ويثرثرون وكأنهم وجدوا لعبة جديدة يتسلون بها، وشعرت لأول مرة بالغربة، وضاقت بي الدنيا على رحبها،وأحسست بالاختناق، وفجأة دخل الأستاذ (الذي عرفت فيما بعد أن اسمه سعيد) دخل إلى غرفة الصف بسرعة فوجد بعض التلاميذ يعبثون بالسبورة، ويرسمون عليها بالطبشور خطوطاً متداخلة، وبلحظة واحدة استطاع الأستاذ سعيد أن يلطم اثنين من التلاميذ كان أقرب التلاميذ إليه، بينما لاذ الباقون بالفرار إلى مقاعدهم ليستقروا عليها، وصاح الأستاذ سعيد بصوت قوي: قيام، فمن عرف ما تعني تلك الكلمة وقف منتصب القامة، ومن لم يعرف ما تعنيه هذه الكلمة تأخر قليلاً ثم وقف، وحذا حذو زملائه، وقد وقف الجميع بمن فيهم أنا، وهنا وضع الأستاذ سعيد يديه وراء ظهره، وأخذ يحملق بنا جميعاً بنظرات غاضبة يوحي إلينا من خلالها أنه مرهوب الجانب، ولا يحب الفوضى، وبعد أكثر من دقيقة، والصمت يلف غرفة الصف، وخلال ذلك كانت تتسلل إلى أنفي رائحة عطر نفاذة تأتي من قبل الأستاذ سعيد، وقد شعرت بعدم الارتياح للأستاذ سعيد، وكرهت رائحة العطر تلك على رغم طيب هذه الرائحة لأنني صرت أعتبر كلما شممتها أنها تقترن بذلك المعلم قاسي القلب،وبعد تلك الفترة من الصمت طلب منا الجلوس، وخرج من الصف دون أن يتفوه بكلمة واحدة، فتنفست الصعداء وارتاحت نفسي قليلاً، فتذكرت البيت ودجاجات أمي، وقلت في نفسي: من سيجمع محصول هذا اليوم من البيض؟ لماذا أحس بالغربة إلى هذا الحد؟ ولم أدرِ يومها أن سبب ذلك كله هو عشقي للحرية، تلك الحرية التي تفوق كل العلوم وتتجاوز كل جدران المدارس ومقاعد الدراسة، وبعد قليل دخل غرفة الصف أستاذ، ممتلئ الجسم، متوسط القامة، تبدو عليه الرصانة والهدوء، فوقفنا جميعاً دون أن نعطى أمراً بذلك، فأشار لنا بالجلوس، ثم راح يقلب نظره في التلاميذ، وبعد هنيهة قال لنا: اسمعوا يا أبنائي! أنتم أيها التلاميذ أتيتم إلى المدرسة كي تتعلموا، فالعلم نور يضيء لكم طريق المستقبل، وستكبرون وتصبحون رجالاً مثلي، فكونوا مجدين، وأقبلوا على العلم وأحبوه، وأطلب منكم أن تعتنوا بالنظافة، فالنظافة من الإيمان، وليس من المهم أن يرتدي أحدكم ثياباً جديدة، بل المهم أن تكون ثيابه نظيفة، ولو كانت متواضعة، ثم أدار لنا ظهره وأمسك بالممحاة، واخذ يمسح السبورة، فقد بدأ الدرس الأول.
وبعد انتهائه من مسح السبورة بالممحاة، كتب بالطبشور بعض الحروف الهجائية، وأخذ يشرح كيفية لفظها، وطلب منا حفظها،فسررت من الدرس، وأحببت ذلك المعلم، ويوماً بعد يوم تأقلمت مع الحياة الجديدة، وصرت أذهب إلى المدرسة وأنا مسرور، ولكن شعوري بالغربة لم يكن يفارقني كلما خرجت من البيت متوجهاً إلى المدرسة، وعلى رغم ذلك فقد أصبحت متفوقاً في دروسي، وحققت لأهلي ما كانوا ينتظرونه من ابنهم المدلل.
تابعت دراستي في مرحلة التعليم الابتدائي، ثم انتقلت إلى المرحلة الإعدادية، وكنت من الطلاب الأوائل،وبدأت بكتابة الشعر ونظمت أول قصيدة بعنوان( دموع الهجر) وكنت أحب اللغة العربية كثيراً إلى درجة العشق، وعلى رغم حبي للغة العربية فقد كان يراودني هاجس أكبر من حبي للغة العربية، وأكبر من رغبتي في قرض الشعر، وذلك الهاجس الذي أرقني هو أمنيتي في أن أصبح طبيباً، مع العلم بأنني كنت أعتبر تلك الأمنية ضرباً من الخيال، وحلماً يتبخر كلما استيقظت من نومي لأنني تركت الدراسة بسبب ظروفي المادية،وانصرفت إلى العمل لأكسب بعض المال لإعانة أهلي في تأمين لقمة العيش. وكبرت وتمكنت من توفير بعض المال الذي أعانني على الزواج من إحدى قريباتي، ورزقني الله تعالى بأولاد أراهم أمامي يمرحون، وتملأ ضحكاتهم هذا العالم، كما أنهم يتعرضون للمرض شأنهم شأن بقية الأطفال، وكنت أمرض لمرضهم لأن اهتمامي بهم كبيراً، فهم فلذة أكبادنا، فعندما يمرض أحدهم أسرع به إلى الطبيب، وعندما أشرح للطبيب حالة الطفل المريض بدقة كان الطبيب يبتسم وهو يفحص الطفل، ويقول لي: كأنك تشخص حالة هذا الطفل تماماً، ويثني عليّ لمعرفتي بحالات المرض ودقة مراقبة حالة الطفل.
وكنت أعمد أحياناً –عندما يكون المرض عارضاً بسيطاً-إلى إعطاء الطفل المريض بعض الأعشاب باجتهاد مني، فتمر الحالة بسلام، ويشفى الطفل، وعندما كنت أذهب إلى أحد المشافي لزيارة أحد المرضى من أقاربي أو أحد أصدقائي، وأرى الطبيب يقوم بواجبه نحو مرضاه كنت أغبطه، وأقول في نفسي: هنيئاً لهذا الطبيب، وكم هو سعيد بهذا العمل الإنساني النبيل، وكأنه أخ مخلص لكل هؤلاء المرضى الذين يرقدون على أسرتهم ينتظرون الشفاء على يد ذلك الطبيب الذي كرس كل وقته لخدمتهم،وظل هذا الحلم يراودني مع أنني لا أستطيع فعل أي شيء لتحقيق هذا الحلم، وممارسة هذه المهنة الإنسانية، وتخفيف الألم عن الآخرين.
-لو سألتك: هل كنت على اطلاع ودراية بالتركيبة التي تستخدمها في معالجة الحروق؟
*- يبحث الإنسان دائماً عن الطرق المناسبة في حل مشاكله، والمصاعب التي تعترضه، فيحاول تذليلها، وعندما يستطيع التغلب عليها يقول: لقد وجدت الحل، وقد يكون ذلك الحل نتيجة جهد وعناء كبير وتجارب مستمرة، ومنذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض وحتى زماننا هذا، وهو يتعرض لكثير من الحوادث والكوارث والأمراض وغيرها مما يحدث خللاً في جسمه وبيئته فلا يستطيع ممارسة حياته الطبيعية في مواجهة مصاعب الحياة المختلفة، ومن هنا بدأ البحث عن علاج لكل حالة يتعرض لها ضمن حدود إمكاناته، واستخدام عقله في المعرفة ليتوصل إلى ما هو مفيد لحالة مرضية تعرض لها بشكل أو بآخر يبحث ويجرب، فمرة يصيب؛ وأخرى يخطئ إلى أن يجد العلاج الناجع.
- وهنا يحضرنا سؤال: من هو ذلك الإنسان الذي تخصص في البحث والتفكير والتجريب، وسهر وعانى ليكتشف علاجاً لأمراض الآخرين؟
* -إن الذين تصدوا لهذه المهمة الإنسانية بحثوا وجابوا أطراف الأرض لتحقيق ما يبتغون، إنهم أناس مميزون حتماً وليسوا كأبناء جنسهم من باقي البشر دفعتهم عقولهم الذكية ورغباتهم اللامحدودة في أن يسلكوا هذا الطريق الشاق بلا تردد، ليحققوا هدفاً نبيلاً يسمو بالإنسان وإنسانية الإنسان.
وبناء على ذلك دعونا نطرق باباً غير الطب، وهي أبواب كثيرة تقودنا إلى أن كثيراً من الناس قد حباهم الله أشياء تميزوا بها عن غيرهم حتى اشتركوا في بناء وتكوين ثقافات العالم؛ قديمها وحديثها؛ غير آبهين بأنفسهم فكانوا شموعاً تحترق ليضيئوا الطريق لغيرهم.
-كانت تلك هي البداية، بداية اكتشاف هذا المعالج الشعبي للحروق على مختلف أنواعها، أما الاكتشاف الحقيقي فكان بعد لقائي به وزيارته بحوالي الشهر تقريباً، يومها عدت إلى البيت وهناك فوجئت بابنتي الصغيرة براءة وقد احترقت ساقها بعل انسكاب مادة سائلة حارة عليها.
أعتذر منكم، قبل أن أكمل نسيت أن أخبركم بأنني على دراية واسعة بمخاطر الحروق وطرق علاجها، وآلامها لأنني عانيت منها شخصياً، ففي أحد أيام شهر نيسان عام 1976م انفجرت أسطوانة غاز في بيت أخي في دمشق، وكنت أقطن معه، مما أدى إلى تهدم جزء من المنزل، إضافة إلى إصابتي أنا وأخي وزوجته وثلاث بنات من بناته بحروق مختلفة، استمر علاجها حوالي شهر بالنسبة لي، وثلاثة أشهر مع إجراء عمليات تجميلية لابنة أخي،وأدت إلى وفاة أخي وزوجته واثنتين من بناته، وكتبت السلامة لي ولإحدى بنات أخي..
من هنا أسرعت بطفلتي إلى بيت صديقي فألقى عليها نظرة وابتسم، وكنت أحسب أن علاجها سيستغرق أكثر من شهر، ولكني فوجئت أن العلاج لم يتعد خمسة أيام، شفيت الطفلة تماماً، ليس هذا فحسب بل إن الحروق لم تترك أثراً في ساقها. تكررت زياراتي لصديقي حيث كنت أراقبه عن كثب وكنت أستفسر منه عن كثير من الحالات التي عالجها، وعرضت عليه أن أدون ما رأيته فوافق، ومن هنا فقد طلبت منه أولاً أن يتحدث عن نفسه، فاسترسل قائلاً:
هذه قصتي
ولدت في أسرة فقيرة، أنا وأخي الأكبر وأختي الوحيدة، وعشت في كنف أهلي مدللاً لدرجة أن ذلك ترك تأثيراً كبيراً ظهرت نتائجه بعد أن كبرت، وصرت أدرك الحياة بشكلها الصحيح، حيث تعرضت لعدة وعكات صحية في صغري ما زلت أذكرها وقاومتها ( كالحصبة) التي كادت أن تودي بحياتي، وكان مقدراً لي أن أعيش، فأصبحت عاطفياً أكثر من المعتاد، وحساساً أكثر من المألوف، عاطفتي تسبق تفكيري دائماً، وأعترف بأن ذلك خطأ، ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقال.
وكبرت وازدادت رهافة حس حتى طبعني ذلك بطابع الحزن الدائم، بحيث سيطر علي فصرت أخشى على نفسي من التعرض لحالة نفسية لا يمكن التغلب عليها.
-هل استطعت بعد الخطوة الأولى في معالجة حروق ابنتك أن تطور العلاج الذي اكتشفته؟
*-رحت أعالج حالات من الحروق على درجة بسيطة بالقياس إلى غيرها من تلك الحروق التي يصعب السيطرة عليها، ولم أقف عند هذا الحد، بل انتقلت إلى علاج الحروق من مختلف الدرجات، ووفقت في التعامل معها والسيطرة عليها حتى اكتسبت خبرة ممتازة لا تقل أهمية عن الدواء نفسه.
وعندما علم الناس بأنني أعالج الحروق بالأعشاب الطبيعية، صاروا يأتون إلي بذويهم من المصابين من مختلف العمار، ورحت أعالجهم، وكانت النتائج كلها مرضية جداً،وقد اكتسبت شهرة واسعة بين الناس من خلال النتائج الممتازة لعلاجي الحروق على مختلف درجاتها. وقد نجحت في السيطرة التامة على كل حالات الحروق البسيطة والصعبة والصعبة جداً، حتى تلك التي اعتذرت المستشفيات المتخصصة عن استقبالها ناهيك عن علاجها،وكنت أنفق على شراء المواد الأولية ومستلزمات العلاج من راتبي الشهري الذي لا أملك غيره،والذي لا يكاد يكفي مصاريف البيت، ومصاريف مستلزمات العلاج وتركيب الدواء.
-هل كنت واثقاً من نفسك دائماً؟
* -من حيث الروح المعنوية فإنني على ثقة كبيرة بما أقوم به، وأثق تماماً بالدواء الذي أقوم بتركيبه وتحضيره، وكلما استلمت حالة حرق من درجة عالية، كنت ألوم نفسي كثيراً، وأسأل نفسي: من أجبرني على علاج هذه الحالة الصعبة؟ وينتابني القلق، وقد أعاف الطعام عدة أيام، عندما تكون حالة الحرق على درجة حساسة و عالية، لشدة قلقي وأنا أنتظر نتيجة العلاج التي تحتاج بالطبع إلى عدة أيام وأحياناً أسابيع، وعندما تشفى مثل هذه الحالة الصعبة كنت أنسى كل ما عانيته؛ خاصة عندما أرى الفرح على وجوه أهل المريض،وهم لا يعرفون بأن فرحي بهذه النتيجة أكبر من فرحهم، خاصة عندما أحصل على قبلة يطبعها طفل صغير على خدي في نهاية آخر جلسات العلاج عندما يشفى تماماً.
-نسمع كثيراً عن مخاطر الحروق وحدوث وفيات كثيرة نتيجة الإصابة بها، فهل استطعت السيطرة على كل حالات الحروق أم أن الأمر يقف عند حد معين؟
*-مع مرور الزمن أصبح علاج الحروق عندي أمراً عادياً سهلاً مهما كانت الإصابة بالغة، حتى تمكنت من السيطرة على الحالات المستعصية التي يرى آخرون أنها بحاجة إلى جراحة تجميلية، غير أنني –ولله الحمد-أتمكن من علاجها وتشفى بإذن الله تعالى بشكل نام دون إجراء أية جراحة تجميلية.
-هل عالجت إصابات لأطفال صغار؟ وكيف كنت تتعامل معهم؟
*- تمكنت من اكتساب خبرة اجتماعية ونفسية من خلال جلسات العلاج، ومن خلال علاجي للأطفال المصابين بالحروق، وقد تعاملت معهم بخبرة ودراية بحيث أحاول التسلل إلى قلوبهم حتى الطفل الرضيع الذي لا يفقه من أمور الحياة شيئاً، لكنه يتألم كالكبار، وكانت طريقتي في التعامل مع الأطفال تثير استغراب الأهل ودهشتهم،وهنا أؤكد على ضرورة التعامل مع الأطفال بحذر ودراية كافية، حتى يصبح في حالة نفسية مرضية؛ فيتمكن الطبيب من علاجه بشكل سليم ومريح، فالطفل عادة لا يعرف إن كان الطبيب يريد معالجته أو معاقبته،أما عند الكبار فإن الأمر مختلف تماماً، فعلاجهم يقوم على مبدأ التفاهم بن المريض والطبيب.
- هل بإمكانك أن تذكر لنا مثالاً على ذلك؟
*- راجعني الطفل عبد الرحمن، وكان يشكو من حروق في معصم اليد يمتد حتى نهاية المرفق، وكان هذا الطفل في بداية تعلمه النطق، وهو يلفظ بعض الكلمات، وكان يتألم بشدة أثناء الضماد، ويبكي بكاء شديداً،فبدأت أتقرب إليه وألاطفه حتى بدأ يشعر بأنني أحرص عليه ولا أريد معاقبته، فتجاوب معي، وكان في كل جلسة علاج يزداد هذا الشعور عمقاً عنده، فيطمئن لي أكثر فأكثر، فكان تارة يبكي، و يسكت تارة أخرى، وبعد عدة جلسات كان عندما تصحبه أمه إلى جلسة العلاج يتركها فوراً ويأتي إليّ ويجلس على ركبتي، ويتلفظ بكلمات لم أفهمها في بداية الأمر( كوكل) ، فلما سألت عنها أمه، ابتسمت خجلة، وقالت: إنه يخبرك بأنه يريد أن يأكل، فكانت زوجتي تذهب وتحضر له بعض الطعام وحبات سكاكر، فيأكل ويشرب، ثم أبدأ بتضميده فألاحظ مظاهر الألم على وجهه، لكنه لا يبكي ولا يتلفظ بألفاظ تنم عن ألمه.
وبقيت أكسب مودة عبد الرحمن على هذا المنوال إلى أن تم الشفاء، وعادت يد عبد الرحمن سليمة تماماً ليس فيها أي أثر للحروق، وكنت أشد الناس فرحاً بشفاء (صديقي).
-أرغب في ذكر بعض حالات الإصابات التي عالجتها، ونتيجة العلاج، حتى نستوفي الحديث عن هذه المهنة.
*- هناك حالات كثيرة يمكن أن أروي لك بعضها:
قصة محمود:
تعرض محمود لعدة حروق في يده ، وحرق آخر في خاصرته اليمنى، فقد انسكب عليه إبريق الشاي كان قد أُنزل من فوق الموقد للتو.
أرسلت بمحمود إلى طبيب ليصف له مضادات الالتهاب، ويراقب حالته العامة كي لا تحدث مضاعفات أخرى بسبب الحروق لأنها كانت تغطي مساحة واسعة من جسده، وتشكل خطراً عليه، ويخشى في هذه الحال من حدوث تجفاف، وقد أعطاه الطبيب مضادات الالتهاب وطلب من أهله ضرورة مراجعته يومياً للاطمئنان عليه والوقوف على تطور حالته، وعاد الأهل من عند الطبيب، وأجريت له الضماد الأول،وفي اليوم الثاني ذهبوا به إلى الطبيب، فوجد أن جسم الطفل قد تعرض للتجفاف لأنه لم يذق طعاماً ولا شراباً منذ البارحة، فأعطاهم الطبيب وصفة لتعويض السوائل التي فقدها الجسم، وبعد أن أجريت له الضماد الثاني قص علي الأهل ما حدث عند الطبيب، وفي اليوم الثالث جاؤوا إليّ بالطفل قبل أن يذهبوا إلى الطبيب، فوجدت أن حاله لا تسر أبداً، وأخبروني بأنه رفض تناول الدواء، فقلت لهم: اذهبوا به إلى الطبيب قبل إجراء الضماد، فذهبوا به وأخبروا الطبيب عن وضعه وأنه لم يذق طعاماً ولا شراباً، فقال لهم الطبيب: إنه من الضروري أن يأخذ الدواء، ويتناول الطعام والشراب، على كل الأحوال حاولوا أن يأخذ ذلك هذه الليلة، فإذا رفض فأحضروه غداً صباحاً لأعلق له السيروم( المصل)، ولما رجع الأهل إليّ من عند الطبيب أخبروني بما جرى معهم، فأعلمتهم بأنني سأقوم بتغيير الضماد، ولما شرعت في تغييره كان الطفل يبكي من الألم والخوف، ولكنه سكت بعد الانتهاء من التغيير، وراح ينظر إلي نظرة الخائف المستغيث، فقلت له: يا محمود إذا تناولت الطعام والشراب والدواء فسأعطيك لعبة جميلة غداً، وإذا لم تفعل فسأعطيك إبرة مؤلمة من هذه الحقيبة المليئة بالإبر، فقال الطفل: أريد أن أشرب، أريد أن أشرب، فأسرعت وأحضرت له إبريقاً من الماء وآخر من الشاي، ورحت أعطيه الشاي بعد مزجه بالماء بنسبة 1 إلى 4، فشرب من المزيج حتى ارتوى، ثم أعطيته برتقالة فأكلها وشرب الدواء وهو ينظر إلى الحقيبة بجانبي، بين دهشة الأهل وفرحهم، وأوصيت الأهل أن يقدموا له الغذاء والسوائل في البيت، ولما عادوا به في اليوم التالي كان الطفل مليئاً بالنشاط والحيوية، وقد تحسنت حاله، ولما أخذوه إلى الطبيب أخبروه بما حدث فضحك واستحسن هذا الأمر، وتابعت علاج الطفل لمدة عشرة أيام حيث تماثل للشفاء التام بإذن الله تعالى دون أن تترك الحروق أي أثر في جسده.
فاتن وفاطمة:
صبيتان في ريعان الشباب تعرضتا لحروق بالغة غطت حوالي 25% من مساحة الجسم. ولنبدأ أولاً بقصة
فاتن:
تعرضت فاتن لحروق بالغة بالغاز، وعولجت لمدة خمسة عشر يوماً دون أن يبدو عليها أي تحسن يذكر، وبعد هذه المدة جاؤوا بها إليّ، وكنت أقوم بمعالجة عدد من الأطفال الذين اصطحبتهم أمهاتهم،وقد دق الجرس، ولما فتح الباب فوجئت بمجموعة من الرجال والنساء يقومون بإنزال صبية من السيارة، كانت ترقد على فراش وقد غطيت بقطعة من القماش، وقد حملها هؤلاء بفراشها ووضعوها في إحدى الغرف عندي في البيت، وكانت فاتن ترتجف من الخوف والألم، ولما انصرف الأطفال الذين كنت أعالجهم، استفسرت عن موضوع فاتن وعرفت أنها تعرضت لحروق بالغاز، واقتربت منها وأزحت الغطاء عنها، لقد كان جسدها مصاباً بحروق شديدة من الدرجة الرابعة، وقد غطت الحروق مساحة كبيرة من جسدها،ولما رأيت ما وصلت إليه حال هذه المصابة اعتذرت عن علاجها لأنها وصلت إلى درجة خطيرة، وأخشى أن يحدث لها مكروه، ولكن أهلها ضحكوا لهذا الاعتذار وقالوا: نحن على ثقة أنها ستشفى بإذن الله تعالى لذلك أتينا بها إليك. وقد تواردت الخواطر على ذهني ورحت ألوم نفسي إذا تركتها وأدى ذلك إلى حدوث مكروه لها،وهنا جلست عند رأسها وسألتها عن اسمها، فغمغمت بصوت لم أفهم منه شيئاً، لقد اختفى صوتها لشدة صراخها من شدة الألم عندما كانوا يقومون بتغيير الضماد في الأيام الماضية،وقد علمت من أختها التي ترافقها بأن اسمها فاتن، وعلمت بأنها لم تذق طعم النوم منذ تعرضها لهذا المصاب، وطلبت من فاتن أن تتعاون معي في العلاج بالتزام الطمأنينة وعدم الخوف، وأخبرتها بأنها ستشفى بإذن الله تعالى خلال أسبوعين، فأجهشت بالبكاء، وقد قمت بتضميدها الضماد الأول، وفي اليوم الثاني عندما قدم أهلها بها شاهدت وجوههم مستبشرة ولما دخلوا بها ووضعوها ونظرت إليها سألتها عن حالها فأغمضت عينيها وكأنها تخبرني أنها اليوم أفضل حالاً من الأمس، وعند حضورها لإجراء الضماد الرابع نزلت لوحدها من السيارة بدون ودخلت ماشية دون مساعدة أحد، وقد ظهرت على وجهها ابتسامة الرضا،وراحت فاتن تتحسن يوماً بعد يوم، وبعد ثلاثة عشر يوماً كنت أزيل عن جسدها الضماد الأخير دون أن نضع آخر مكانه، لقد شفيت وعادت إلى بلدها، وهناك لم يصدق أحد من أهل بلدها أنها عادت معافاة.
فاطمة:
فاطمة تلك الفتاة اليافعة التي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها كانت تساعد أمها في الطبخ؛فانقلبت عليها القدر عليها لتسبح في بركة من مرق الدجاج الذي كان يغلي، فأصبحت لا يمكن أن تفرقها عن الدجاج الذي كان في القدر، على كل حال قرر أهلها أن يأتوا بها إلي.
كشفت عن الإصابة، لقد كانت قوية جداً، ومساحة الحروق كبيرة بحيث كانت تغطي حوالي 30% من جسمها، قمت بإجراء الإسعافات الأولية، وكنت في الأيام الأولى أستعين بأحد الأطباء لمراقبة حالتها العامة ليقوم بإعطائها الأمصال اللازمة لتعويض السوائل في الجسم، وبقيت تعتمد على السوائل لمدة يومين، وكانت تتألم على رغم تناولها مسكنات للألم، وخلال عملية التضميد كنت أحاول التخفيف عنها بشتى أنواع الحديث، وكانت تضحك تارة وتبكي تارة أخرى، بحيث كان الضحك يمتزج بالبكاء، وكانت حالتها تتحسن يوماً بعد يوم حتى تم لها الشفاء بإذن الله تعالى، وقد استغرق علاجها ثلاثة وعشرين يوماً، وقد رجتني كثيراً بأن أزورهم بعد انتهاء العلاج.
قصة العم خضر:
يبلغ العم خضر الخامسة والسبعين من عمره، وفي أثناء دخوله إلى الحمام في إحدى المرات، وبعد وضع إناء مملوء بالماء على موقد الغاز، وقيامه بإشعال الغاز، ونظراً لضعف نظره، فلم يلاحظ العم خضر أن الموقد لم يشتعل، بل ظل الغاز يخرج منه دون أن يكون مشتعلاً، وخرج العم خضر لفترة من الزمن، وعاد ثانية ولمس الماء فوجد بارداً، وحاول إشعال الغاز، وبمجرد أن أشعل عود الثقاب انفجر الغاز المتسرب الذي ملأ المكان،وفي لحظة واحدة وجد نفسه في وسط النيران، وقد أُصيب بحروق بليغة خاصة في منطقة الفخذين، وبنتيجة الارتباك والحيرة كشط الجلد المحروق بشكل كامل، وجاء إلي أحد أولاده واستدعاني، فأخذت معي الدواء، وذهبت إلى بيت العم خضر، وهناك وجدته يرقد على فراشه وهو يتألم ويندب حظه، فسلمت عليه وقلت له: الحمد لله يا عم خضر على سلامتك، فانهال علي بسيل من الدعوات بالتوفيق، وراح يغني شيئاً من العتابا الحزينة يتذكر بها أيام الشباب، ويبكي بكاء مراً، فتأثرت بما أراه وقمت بتضميده، وتوقعت أن العم خضر سيحتاج إلى أكثر من شهرين حتى يشفى تماماً نظراً لكبر سنه، وخانتني التوقعات هذه المرة، إذا أنه تماثل للشفاء بعد ثلاثة عشر يوماً فقط، حيث كان يقف على رجليه بعدها وليس فيهما أي أثر للحروق، وقد زارني العم خضر بعد شفائه بعدة أيام يقدم لي الشكر على ما قدمته له من علاج واهتمام، وقال لي: سلمت يداك وإنني أعتبرك واحداً من أولادي، وقلت له: سلمت يا عم خضر، ولكن لي عندك طلب، وهو ان تغني لي شيئاً من غنائك، فلم يتردد وغنى لي غناء بسيطاً وجميلاً شعرت من خلاله بدفء يتسرب إلى كياني ويحلق بي بعيداً حيث السماء الصافية، والحلم الواسع، والأماني العذبة.
قصة أم أحمد:
أم أحمد عندها تسع بنات بأعمار مختلفة، تعرضت أصغرهن روان لحروق بالغة، حيث وقعت في وعاء حليب يغلي،وكانت روان توءم مع أخت لها لا تكاد تفرق بينهما حيث تشبهان بعضهما بعضاً، وقد جاءت أم أحمد تحمل ابنتها، وكان بكاؤها يمتزج ببكاء روان الصغيرة، وكانت إصابتها خطيرة ويخشى من حدوث مضاعفات، فهي بحاجة إلى مراقبة في المستشفى، خوفاً من نفاذ الحرق إلى داخل جسم الطفلة، فقلت للأم: هذه الطفلة بحاجة إلى مستشفى حالياً لوضعها تحت المراقبة،فخذيها بسرعة إلى المستشفى ولا تتأخري دقيقة واحدة، فصاحت أم أحمد وهي تبكي: معنى ذلك أن إصابتها خطيرة ومميتة، فقلت لها: إنها قد تحتاج إلى أمصال لتعويض السوائل، فذهبت بها على المستشفى وبقيت الطفلة تحت المراقبة لمدة خمسة أيام، خرجت بعدها وجاءت بها أمها وأخبرتني أنها أدخلتها المستشفى، وها هي الآن بين يدي،فأفهمتها بأن مراجعة المستشفى أمر ضروري في مثل هذه الحالة في بداية العلاج حتى نتجنب المضاعفات التي يمكن أن تحدث،وحتى يزول الخطر وكل ذلك من أجل سلامة الطفلة المصابة.
باشرت بعلاج الطفلة روان، وكانت الطفلة الشقراء ذات العينين الزرقاوين ذات مظهر رزين، ومتجاوبة للعلاج وقد كتب الله تعالى لها الشفاء في مدة عشرة أيام.
ولكن شر البلية ما يضحك فبعد أقل من شهر من شفاء روان جاءت أم أحمد مسرعة تحمل طفلتها بين ذراعيها، ولما رأيتها أصابتني الدهشة وسألت أم أحمد: ماذا هل أصيب روان بحروق مرة ثانية؟، فانخرطت أم أحمد بالبكاء وقالت: إن هذه ليست روان هذه أختها التوءم بتول، لقد كانت تشبه أختها إلى حد بعيد، وطمأنت أم أحمد وبدأنا رحلة العلاج التي دامت أحد عشر يوماً شفيت بتول بعدها تماماً.
انتظروا قليلاً لم ننته بعد من قصة أم أحمد، فبعد شهر ونصف من شفاء بتول عادت أم أحمد مرة ثالثة تحمل طفلة، وهي أكبر من روان، وقد تعرضت لحروق بالغة غطت حوالي 20% من مساحة جسمها،ولما سألت أم أحمد: لمن هذه الطفلة؟ انفجرت بالبكاء وأخذت تندب حظها وقالت: هي ابنتي، وبشكل عفوي قلت لأم أحمد: ألا تخافين الله هذا هو الإهمال بعينه، هل من المعقول أن تتعرض ثلاث بنات لحروق في أقل من ثلاثة أشهر؟ فأخذت تبكي وتقول لي: أرجوك عالج هذه الطفلة فلا أريد أن اذهب بها إلى المستشفى، فقلت لها: سأعالجها ولكن بشرط أن يتولى أحد الأطباء الإشراف على مراقبة حالتها العامة، وأن تأخذ الدواء بانتظام، وتكثر من تناول السوائل بكميات كافية، فوافقت أم أحمد على هذا الشرط، وبدأت رحلة علاج نور، وقد تماثلت للشفاء بعد أسبوعين من العلاج، حيث لم يبق هناك أي أثر للحروق في جسمها.
قصة الشاب غالب:
غالب شاب في الثالثة والعشرين من عمره، يعمل سائقاً لسيارة شحن يملكها والده، وكانت السيارة تحمل عدة رؤوس من البقر لتنقلها من محافظة إلى أخرى، وفي مدخل المدينة التي ينقل إليها هذه الأبقار فوجئ بسيارة تمر أمامه فجأة، فارتبك وحاول تفادي الاصطدام بها، فأخذ يدير المقود يميناً وشمالاً فتأرجحت سيارته وانقلبت، واشتعلت النيران بكبينة السائق وكان ما يزال في داخلها، وكان قد فقد وعيه عند انقلابها،وقد أُخرج من السيارة بعد محاولات مضنية وقد أُصيب بحروق من الدرجة الثالثة نٌقل على إثرها إلى المستشفى، وأُجريت له الإسعافات الأولية اللازمة، وعندما علم أهل الشاب غالب بالحادث ذهبوا إلى المستشفى الذي يعالج فيه، وأخرجوه ونقلوه إلى بيت أهله في محافظة حمص.
حضر والده إليّ وطلب مني مرافقته للاطلاع على حالة غالب، فذهبت إليه وكان يرقد في فراشه وحوله عدد كبير من الزائرين الذين يعودونه، وكان ما يزال يعاني من أثر الصدمة نتيجة الحادث فجلست بقربه دون أن أحادثه لعدم تمكنه من الكلام، ذلك أنه أصيب بجرح في لسانه تمت خياطته؛ ومنعه ذلك من التكلم، قمت بمعاينة أمكنة الحروق، على الرغم من كونها مغطاة بالشاش، فوجدت أن هذه الحروق لم تصب –ولله الحمد- أماكن حساسة في الجسم، وكانت الحروق من درجات عالية، وقد غطت مساحة كبيرة من الجسم إلا أنها كلها في أماكن أمينة، وقد أعلمت والده بذلك، وأنا أغادر بيت المصاب.
وبعد خروجي من بيت المصاب حضر بعض أقاربه وأعلموا والد غالب أنهم يريدون نقله إلى مشفى خاص بدمشق لأن حالته لا تطمن، فلم يوافق على طلبهم، وشكرهم على اهتمامهم وأعلمهم أنه قرر معالجته في البيت، وقد أنكروا أن أقوم بمعالجته دون وجود مستشفى، وقد رد والده عليهم بأنه يعرفني جيداً وقد عالجت في مرة سابقة شقيق المصاب الأكبر؛ وكان قد أُصيب بحروق في وجهه بحروق بالغة، وها هو أخوه، هل ترون في وجهه أي أثر للحروق؟.
وفي اليوم التالي حضر والد غالب، وذهبت معه لإجراء الضماد الأول، وقد أخبرني بما دار بينه وبين بعض أقاربه في اليوم السابق، وفي اليوم الحادي والعشرين من الإصابة نزعت عنه الضماد الأخير، وقد شفي تماماً، ولا تسل عن فرحة الأهل التي لا تعادلها إلا فرحتي بشفاء غالب.
ما هي قصة حلا؟
حلا طفلة شرسة كهرة برية تغرس مخالبها في كل شيء، ولكن: من يعاشر الهر عليه أن يتحمل ( خرمشة أظافره).
هي طفلة في الخامسة من عمرها، دخلت المطبخ بدون علم أمها لتسكب صحناً من الرز بحليب، الذي ما زال على الموقد؛ وقد أوشك على النضج، غير أن حرارة القدر الذي ما زال على النار، إضافة إلى بخار الحليب المتصاعد والذي كان يحيط بها من كل جانب، وقد أدخلت الملعقة في القدر فشعرت بحرارة قوية فسحبت يدها بسرعة، فانسحبت القدر معها فانسكب الرز بحليب على رجلها، فأصيبت بحروق بالغة، نفذت إلى داخل الجلد، وقد أسرع أهلها بها إليّ، ولاحظت أن حلا شرسة جداً، ولا تتعاون معي في العلاج، إضافة إلى قلة صبرها على تحمل الألم،إلى درجة أنه إذا هبت نسمة هواء باردة على مكان الحرق فإنها تقيم الدنيا وتقعدها.
بدأت بعلاج حلا، وكنت أعاني صعوبة في تغيير الضماد، حتى أن والديها كان يمسكان بها بإحكام في كل مرة، وكانت كثيراً ما تستغل الفرصة لتركلني على وجهي أو صدري برجلها الثانية السليمة، وحينما أنتهي من الضماد تسكت فجأة وكأن شيئاً لم يكن، إن هذا الأمر غريب، إنني واثق من أنها تتألم، ولكن لماذا تسكت بهذه السرعة بعد انتهاء الضماد،لقد كان خوفها أكبر مما يستوجبه الألم الذي يمكن أن تحس به، وقد كنت أقدم لها كوبين أو ثلاثة من الشاي، وكوباً من الماء لأنها بحاجة إلى تناول كثير من السوائل لتعويض ما تفقده منها من خلال مكان الإصابة، وعلى رغم شراسة حلا فقد كانت تعتذر عما يبدر منها بعد انتهاء جلسة الضماد من ركلات الجزاء التي توجهها إلي، والتي تتمكن من تسجيل أهداف لم يستطع حارس المرمى- الذي هو أنا- من صدها.
وكانت أحياناً تقوم بخطف المناديل الورقية التي أستعملها لتجفيف المكان المصاب بعد تعقيمه، حيث تخطفها بسرعة البرق وتحتفظ بها كي لا ألمس مكان الحرق، فأتناول غيرها فتخطفه مرة أخرى من يدي، وهكذا حتى انتهاء عملية الضماد، وكنت على رغم هذه المعاناة أتعامل مع تلك الطفلة بكثير من الهدوء والصبر، وكانت حلا تتماثل للشفاء يوماً بعد يوم حتى شفيت تماماً خلال شهر، أتقنت خلالها رمي ضربات الجزاء نحو الهدف، ومع ذلك أصبحنا صديقين يجمعنا ملعب الإنسان وإنسانية الإنسان.
-هل صادفت بعض المتاعب في خلال هذه الرحلة الطويلة؟
*- نعم لا يخلو الأمر من بعض ذلك فممارسة المهنة يلزمها شهادة، فعلى رغم كل ما اكتسبته من خبرة في علاج الحروق، وعلى رغم تركيبة الدواء التي لا تترك أي أثر لندوب أو غيرها من آثار الحروق بعد شفائها، وعلى رغم الحالات الكثيرة التي عالجتها، فإن حيازة شهادة لممارسة هذه المهنة ضرورية جداً، فهذه الشهادة تجعل المرضى وذويهم يصدق كل ما يقوله حاملها ولو كان في قوله شيء من المغالطة أحياناً، التي لا تظهر أحياناً إلا بعد فوات الأوان.
ومما يؤيد ما أذهب إليه قصة المريضة سحر:
سحر صبية في مقتبل العمر أُصيبت بحروق في القدمين نتيجة انفجار أنبوب الغاز، وبسبب شدة الحرارة التي تعرض لها قدما هذه الصبية فقد أثرت على أعصابها، وقد عالجت الإصابة إلى أن شُفيت تماماً، ومع ذلك فإنها لم تكن قادرة على المشي بشكل طبيعي، وأنا أعرف السبب تماماً، وكنت أشرحه للأهل، فكانوا يظنون أنني أبرر لهم حالة عجزت عن السيطرة عليها. وكنت أقول لهم بأن أعصاب سحر تأثرت إلى حد كبير بالحرارة العالية التي تعرضت لها قدما الصبية، وإنها سوف تعود إلى المشي بشكل طبيعي ولكن ذلك يتطلب وقتاً، ولا خوف عليها.
وعلى رغم هذا الشرح الوافي كان أهل سحر يشكون فيما أخبرهم به، وكنت ألاحظ نظرات عدم الثقة ترتسم على وجوههم، وصرت أفكر في كيفية حل هذه المشكلة، لتخليص نفسي من شيء ليس لي علاقة به، فطلبت من والد الصبية بعد أن انتهى العلاج إحضار الطبيب لينظر في أمرها لأن دوري قد انتهى، فوافق والدها على ذلك، وتركتهم وعدت إلى البيت، وبعد ساعة دق جرس الهاتف ليبلغني أهل سحر بأنهم قد أحضروا الطبيب، وطلبوا م ني الحضور، فذهبت، وعندما دخلت رحبوا بي كثيراً على غير العادة، وقدموا لي القهوة، ولاحظت وأنا أرشف فنجان القهوة بأن نظرات عدم الثقة قد زالت، فأخبروني بان الطبيب يبلغني تحياته، ويشكر لي جهودي في علاج سحر، وأنه اخبرهم بأن سبب عدم مشيها هو تأثر الأعصاب بالحرارة العالية التي نفذت في الجلد إلى أعماق كبيرة، وكما أخبرتهم تماماً، فتنفست الصعداء وخرجت من بيتهم مسروراً جداً، وقد عادت سحر إلى المشي فيما بعد.
-نسمع كثيراً عن حالات لا يمكن السيطرة عليها، خاصة الحروق الناجمة عن المواد الكيماوية وخاصة في قنابل الحروب، وما حدث مؤخراً في لبنان اكبر دليل، فما رأيك؟
*- كل حالات الحروق يمكن السيطرة عليها، وعلاجها وشفاؤها مهما كانت درجتها، حتى تلك التي تحدث بسبب حروق مواد كيماوية، ولا يوجد أي نوع منها يستعصي على العلاج، أقول لبك ذلك بفعل تجربتي التي عايشتها.
-لا شك أن هناك كثيراً من الأخطاء التي ترتكب عند الإصابة بالحروق نتيجة الجهل بها، فهل بإمكانك إفادتنا في هذا الجانب؟
*-نعم، هناك أخطاء كثيرة وكبيرة يقع فيها المصاب أو أهله إن كان طفلاً، وهي أخطاء تعقد عملية المعالجة وتؤخر الشفاء، فالناس يتصرفون بأنواع خاطئة من السلوك عند الإصابة بالحروق، فقد يعمد بعضهم إلى دهن مكان الإصابة بمعجون أسنان أحياناً، أو برب البندورة( معجون الطماطم)، أو باللبن الرائب، اعتقاداً منهم أنها تخفف من الشعور بالألم، وهو تصرف خاطئ تماماً.
-بمَ تنصح الناس عند وقوع أية إصابة نتيجة حدوث حروق من درجة ما؟
*- إذا تعرض أحد الأشخاص إلى حروق بالنار، أو بأي سائل حار أو مواد كيماوية فيجب الإسراع في صب الماء على المكان المصاب كعملية إسعافية سريعة وآنية، لحظة حدوث الإصابة، ثم ننزع الثياب عن مكان الإصابة بلطف حتى لا نتسبب بكشط الجلد، ثم يترك الأمر بعد ذلك للطبيب.
-كيف يمكن تجنب حدوث حريق ما؟
*-إن الأشياء التي تسبب الإصابة بالحروق كثيرة، منها الغاز، لذلك يجب تركيب منظم للغاز في كل أسطوانة ليصل إلى الموقد بشكل صحيح، والتأكد من سلامة الأنبوب الذي يصل أسطوانة الغاز بالموقد.
-إذا دخلنا إلى المطبخ أو أي مكان ووصلت إلى أنوفنا رائحة الغاز يجب فنح النوافذ كلها، وتجنب إشعال مفاتيح الكهرباء لأن شرارتها تصل إلى الغاز فيشتعل.
-إبعاد الأطفال عن المطبخ عند انشغال الأم بإعداد الطعام حتى لا تنسكب محتوياته على أجسادهم.
-مراقبة الأطفال بعدم تركهم يعبثون بمفاتيح الكهرباء ومقابسها لأنها لا تسبب الحروق فقط بل قد تصعقهم.
-إبعاد الأطفال عن اللعب بأعواد الثقاب وإشعال الورق.
-عدم لعب الأطفال بالمفرقعات لأنها خطرة وتسبب الحروق والإصابات.
-إذا حاولنا إطفاء حريق ناجم عن مواد بترولية يجب تجنب صب الماء على النار لأن الأكسجين الموجود في الماء يساعد على الاشتعال.
-عدم السباحة في البحر تحت أشعة الشمس الساطعة لساعات طويلة؛ خاصة عند الظهيرة لأن حرارة الشمس والملوحة والرطوبة العالية تسبب الحروق.
-عدم الوقوف تحت أشعة الشمس لأنها أيضاً تسبب الحروق في الوجه والأعضاء المكشوفة من الجسم.
-عند تعرض أحد الأشخاص لحروق من درجة عالية جم عنه مشاكل كبيرة للأعضاء الداخلية في الجسم.
صور لبعض الحالات الصعبة التي تمت معالجتها: